فصل: (سورة البقرة: آية 25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الفوائد:

1- فشل محاولات التحدي: دعا القرآن قريشا إلى أن تحاول محاكاة القرآن تحديا لها في مواطن كثيرة أبرزها الآية التي نحن بصددها ويظهر أنها حاولت أن تردّ على هذا التحدي فعجزت عن هذا في حياة النبي صلى اللّه عليه وسلم ولم تنقطع الرغبة في تقليد القرآن بعد حياته، فقد حاول مسيلمة الكذاب الذي ظهر باليمامة في بني حنيفة وطليحة بن خويلد الذي تنبّأ في بني أسد والأسود العنسي الذي تنبّأ في اليمن وسجاح التي ظهرت في بني تغلب ولا سبيل إلى الجزم بأن الكلام الذي جاء به هؤلاء منسوب إليهم حقيقة بل نرجّح أنه من تخيّل القصّاص المتأخرين، فمن هذا الكلام المتهافت الذي نسب إلى مسيلمة أنه كان يقول: يا ضفدع بنت ضفدعين، نقّي ما نقين، نصفك في الماء ونصفك في الطين، لا الماء تكدّرين، ولا الشارب تمنعين وواضح تماما أن هذا الهراء ليس من لغة الجاهلين في شيء، ومع هذا فقد خدع عنه الجاحظ، أو هو يسخر منه حين يقول: ولا أدري ما الذي هيّج مسيلمة حتى ساء رأيه في الضفدع وأما وحي الأسود العنسي- كما يقول- فكان ينزل به عليه- على زعمه- ملك أسماه: ذا ضمار وكان رجلا فصيحا يجيد سجع الكهّان وقد ضاع كلامه ولم يصلنا منه شيء، وأما وحي طلحة فقد كان ينزل به عليه- فيما يزعم- ملك سمّاه ذا النون ثم عدل عن ذي النون وقال لا بل هو جبريل ولم يعرف شيء عن قرآنه المزعوم وأما سجاح فقد ادّعت قرآنا إلا أن وحيها صمت حين لقيت مسيلمة وتزوجته ذلك الزواج الماجن المضحك، الذي تذكر مخازيه كتب الأدب والتاريخ، وذكر ابن قيّم الجوزيّة والباقلّاني أن عبد اللّه بن المقفع عند ما انتهى إلى قوله تعالى: {حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور} إلى قوله: {وقيل بعدا للقوم الظالمين} عدل عن إنشاء قرآنه وقال: هذا لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله، وترك المعارضة وأحرق ما كان اختلقه، ويقول الباقلّاني: إن قوما أدعوا أن ابن المقفع عارض القرآن في كتابه الدرّة اليتيمة ولكنه لم يجد فيما أنشأ ابن المقفع في هذا الكتاب ما يصح أن يكون تقليدا للقرآن.
وكان شاعرنا العظيم أبو الطيب المتنبي قد تنبأ- فيما يقول الرواة- في بادية السماوة وأنشأ كلاما سماه قرآنا منه قوله: والنجم السيّار، والفلك الدوّار، والليل والنهار، إن الكافرين لفي أخطار امض على سننك، واقف من كان قبلك من المرسلين، فإن اللّه قامع بك زيغ من ألحد في دينه، وضلّ عن سبيله إلا أن المتنبي عدل عن هذه المحاولة، على أننا نشك كثيرا في هذه الروايات لأن المتنبي كان أحصف من أن ينسب إلى نفسه مثل هذا الهراء ولأسباب أخرى لا مجال لبحثها الآن.
ومن الذين اتهموا أيضا بهذه التهمة أبو العلاء المعري في كتابه الفصول والغايات، في محإذاة السّور والآيات ومما ورد في هذا الكتاب سبحانك مؤبّد الآباد، هل للمنية نسب إلى الرّقاد؟ لا أتخيل إذا انتبهت أحدا من الأموات، إذا هجعت لقيني قريب عهد بالمنية، ومن فقدت منذ أزمان، أسألهم فيجيبون وأحاورهم فيتكلمون كأنهم بحبل الحياة معلّقون، لو صدق الرقاد لسكنت إلى ما يخبر عنه سكان القبور ولكن الهجعة كثيرة الكذاب.
وقد ذكر مصطفى صادق الرافعي من أدبائنا المحدثين في كتابه الممتع: إعجاز القرآن ما نصه: وتلك ولا ريب فرية على المعري أراده بها عدوّ حاذق لأن الرجل أبصر بنفسه وبطبقة الكلام الذي يعارضه.
أما الدكتور طه حسين فقد ذكر في كتابه مع أبي العلاء في سجنه ما خلاصته:
هل أراد أبو العلاء إلى معارضة القرآن في الفصول والغايات كما ظن بعض القدماء؟ نعم ولا، نعم إن فهمنا من المعارضة مجرد التأثر والمحاكاة، ولا إن فهمنا من المعارضة أن أبا العلاء قد نظر إلى القرآن على أنه مثل أعلى في الفن الأدبي فتأثّره وجدّ في تقليده كما يتأثر كل أديب بما يعجب به من المثل الفنية العليا، ذلك شيء لا شك فيه فأيسر نظر في كتاب الفصول والغايات يشعرك بأن أبا العلاء حاول أن يقلد قصار السور وطوالها وليس المهم أنه وفق في هذا التقليد أو لم يوفق بل من المحقق أن التوفيق لم يقدر له، كما لم يقدر لغيره.
2- نصّ النحاة والأصوليون على أن إن الشرطية لا يعلّق عليها إلا مشكوك فيه فلا تقول: إن غربت الشمس آتك بل إذا غربت آتيك وإن إذا يعلق عليها المشكوك فيه والمعلوم والشك على اللّه محال فكيف جاءت هنا؟ والجواب أن الخصائص الإلهية لا تدخل في أوضاع العربية بل هي مبنية على خصائص الخلق، وهذا منزّل منزلة كلامهم فيما بينهم كأنه قيل: إن العادة بين الناس الشك في أمر الإله والرسول والمعاد وليس ذلك ما وقع القطع به في الذهن إلا بعد قيام النظر وقيام الأدلة.

.[سورة البقرة: آية 25]:

{وبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهًا وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25)}.

.اللغة:

{وَبَشِّرِ} البشارة: الإخبار بما يظهر سرور المخبر به ومنه البشرة لظاهر الجلد، وتباشير الصبح: ما ظهر من أوائل ضوئه، ولهذا التفسير اللغوي بحث فقهي طريف. قال الفقهاء: إذا قال لعبده:
أيّكم بشّرني بقدوم فلان فهو حرّ فبشروه فرادى أعتق أولهم لأنه هو الذي أظهر سروره بخبره دون الباقين ولو قال مكان بشرني:
أخبرني عتقوا جميعا لأنهم جميعا أخبروه.

.الإعراب:

{وبَشِّرِ} الواو عاطفة عطفت وصف جملة ثواب المؤمن على وصف جملة عقاب الكافر وفاعل بشر ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت {الَّذِينَ} اسم موصول في محل نصب مفعول به {آمَنُوا} فعل وفاعل والجملة لا محل لها لأنها صلة الموصول {وَعَمِلُوا} عطف على آمنوا داخل في حيز الصلة والواو فاعل {الصَّالِحاتِ} مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم {أَنَّ} حرف مشبه بالفعل تنصب الاسم وترفع الخبر وهي مع مدخولها في موضع نصب بنزع الخافض وسيأتي بحثه في باب الفوائد {لَهُمْ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر أن المقدم {جَنَّاتٍ} اسمها المؤخّر وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم {تَجْرِي} فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل {مِنْ تَحْتِهَا} الجار والمجرور متعلقان بتجري {الْأَنْهارُ} فاعل مرفوع {كُلَّما} ظرف زمان متضمن معنى الشرط وما مصدرية أو نكرة مقصودة وقد تقدم القول فيها قريبا {رُزِقُوا} فعل ماض مبني للمجهول والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والجملة الفعلية لا محل لها أو في محل جر على الصفة أي كل وقت رزقوا فيه {مِنْها} الجار والمجرور متعلقان برزقوا {مِنْ ثَمَرَةٍ} الجار والمجرور بدل اشتمال من قوله: {منها} ومثاله: أكلت من بستانك من الرمان شيئا حمدتك، فموقع من ثمرة موقع قولك من الرمان {رِزْقًا} مفعول به ثان لرزقوا والمفعول الأول هو نائب الفاعل الذي هو الواو ويبعد أن يكون رزقا مصدرا منصوبا على المفعولية المطلقة، وجملة: {كلما رزقوا} صفة ثانية لجنات أو حالية ولك أن تجعلها مستأنفة لا محل لها من الاعراب {قالُوا} فعل وفاعل والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم {هذَا} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ {الَّذِي} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول: {رُزِقْنا} فعل ماض مبني للمجهول ونا ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل وجملة: {رزقنا} لا محل لها لأنها صلة الموصول والعائد محذوف أي رزقناه {مِنْ قَبْلُ} من حرف جر لابتداء الغاية وقيل ظرف مبني على الضم لانقطاعه عن الإضافة لفظا لا معنى في محل جر بمن والجار والمجرور متعلقان برزقنا أو بمحذوف حال {وَأُتُوا} الواو استئنافية وأتوا فعل ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل {بِهِ} الجار والمجرور متعلقان بأتوا والجملة مستأنفة مسوقة للاخبار عن هذا الذي رزقوه {مُتَشابِهًا} حال أي مشبها للثمر الذي كانوا يألفونه في الدنيا لأن الإنسان بالمألوف آنس، وإليه أميل، وقيل يشبه بعضه بعضا في اللون وإن تباين في الطعم والمعنى الأول أرجح بدليل ما تقدم وهو قوله: {هذا الذي رزقنا من قبل} {وَلَهُمْ} الواو حرف عطف ولهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدّم {فِيها} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال {أَزْواجٌ} مبتدأ مؤخّر والزوج ما يكون معه آخر فيقال زوج للمرأة والرجل وأما الزوجة بالتاء فقليل وقال الفراء: إنها لغة {مُطَهَّرَةٌ} نعت لأزواج {وَهُمْ} الواو حرف عطف وهم مبتدأ {فِيها} الجار والمجرور متعلقان بخالدون {خالِدُونَ} خبر هم.

.البلاغة:

1- المجاز المرسل في قوله: {تجري من تحتها الأنهار} والعلاقة المحلية هذا إذا كان النهر مجرى الماء كما قال بعض علماء اللغة أما إذا كان بمعنى الماء في المجرى فلا مجاز فيه وفيه لغتان فتح الهاء وسكونها.
2- التشبيه البليغ في قوله: {هذا الذي رزقنا من قبل} وسمي بليغا لأن أداة التشبيه فيه محذوفة فتساوى طرفا التشبيه في المرتبة ومن أمثلته قول أبي العلاء يصف ليلة:
ليلتي هذه عروس من الزنج عليها قلائد من جمان.

.الفوائد:

1- قد يحذف الجار سماعا فينتصب المجرور بعد حذفه تشبيها له بالمفعول به ومنه قول جرير:
تمرّون الديار ولم تعوجوا ** كلامكم عليّ إذن حرام

أي تمرون بالديار، ويقاس سقوط حرف الجر قبل أن المصدرية وأن المشبّهة بالفعل المفتوحة الهمزة.
2- جمع غير العاقل يجوز وصفه بالجمع المناسب قال تعالى: {جنات معروشات} ويجوز في غير القرآن معروشة وجمع التكسير الدال على العقلاء يجوز وصفه أيضا بالمفرد المؤنث ويجوز وصفه بالجمع كما في الآية وهو {أزواج مطهرة} ويجوز في غير القرآن مطهرات.

.[سورة البقرة: الآيات 26- 27]:

{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (27)}.

.اللغة:

{يَسْتَحْيِي} الحياء: تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من تخوّف ما يعاب به ويذمّ. ومن أقوال العرب: فلان أحيا من مخدّرة وقالت ليلى:
وأحيا حياء من فتاة حييّة ** وأشجع من ليث بخفّان حادر

البعوض الحيوان العضوض المعروف واشتقاقه من البعض وهو القطع ومنه بعض الشيء لأنه قطعة منه.
النقض: الفسخ وفك الترتيب.

.الإعراب:

{إِنَّ} حرف مشبه بالفعل {اللَّهَ} اسمها المنصوب {لا} نافية {يَسْتَحْيِي} فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على اللّه والجملة الفعلية في محل رفع خبر إن {أَنْ يَضْرِبَ} أن حرف مصدري ونصب ويضرب فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا وأن وما بعدها في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به إن كان يستحيي يتعدّ بنفسه أو في محل نصب بنزع الخافض وقد تقدم بحثه قريبا {مَثَلًا} مفعول به ليضرب {ما} فيها أقوال عديدة أرجحها فيما نرى أنها الإبهامية وهي التي إذا اقترنت باسم نكرة زادته شيوعا وعموما وإبهاما تقول: أعطني كتابا ما تريد أي كتاب شئت وتعرب صفة للاسم قبلها {بَعُوضَةً} بدل من مثلا {فَما} الفاء عاطفة وما اسم موصول في محل نصب معطوف على بعوضة {فَوْقَها} ظرف مكان متعلق بمحذوف لا محل له من الاعراب لأنه صلة الموصول المراد:
فما تجاوزها في المعنى الذي ضربت فيه مثلا وهو القلّة والحقارة أو فما تجاوزها في الحجم كأنه قصد بذلك ردّ ما استهجنوه من ضرب المثل بالذباب والعنكبوت لأنهما أكبر من البعوضة تقول: فلان لا يبالي أن يبخل بنصف درهم فما فوقه تريد الدرهم والدرهمين وجميل حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيما يرويه مسلم عن ابراهيم عن الأسود قال: دخل شباب قريش على عائشة رضي اللّه عنها وهي بمنى وهم يضحكون فقالت: ما يضحككم؟ قالوا: خرّ على طنب فسطاط فكادت عنقه أو عينه أن تذهب فقالت: لا تضحكوا إني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه خطيئة. يحتمل فيما عدا الشوكة وتجاوزها في القلة ويحتمل ما هو أشد من الشوكة وأوجع {فَأَمَّا} الفاء استئنافية وأما حرف شرط وتفصيل {الَّذِينَ} اسم موصول في محل رفع مبتدأ {آمَنُوا} فعل وفاعل والجملة لا محل لها من الاعراب لأنها صلة الذين {فَيَعْلَمُونَ} الفاء: رابطة لجواب الشرط ويعلمون فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون والواو فاعل وجملة: {يعلمون} في محل رفع خبر الذين {أَنَّهُ} أنّ: حرف مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل في محل نصب اسمها {الْحَقُّ} خبرها وإن وما في حيزها سدت مسدّ مفعولي يعلمون {مِنْ رَبِّهِمْ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال {وَأَمَّا} الواو حرف عطف واما حرف شرط وتفصيل {الَّذِينَ} اسم موصول في محل رفع مبتدأ {كَفَرُوا} فعل وفاعل والجملة لا محل لها صلة الموصول {فَيَقُولُونَ} الفاء: رابطة لجواب الشرط ويقولون:
فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون والواو فاعل والجملة خبر الموصول {ماذا} اسم استفهام في محل نصب مفعول به مقدم لأراد أو ما اسم استفهام وذا اسم موصول- هنا خاصة- في محل رفع خبر ما والجملة في محل نصب مقول القول وعلى الوجه الأول تعرب جملة أراد مقولا للقول: {أَرادَ} فعل ماض مبني على الفتح {اللَّهَ} فاعل أراد {بِهذا} الجار والمجرور متعلقان بأراد {مَثَلًا} تمييز مؤكد أو حال من اسم الاشارة أي ممثلا به أو من الفاعل أي ممثلا {يُضِلُّ} فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر فيه جوازا تقديره هو والجملة الفعلية مستأنفة جارية مجرى التفسير والبيان للجملتين المصدرتين بأمّا وقيل: في محل نصب صفة مثلا والمعنى: مثلا يفترق الناس به إلى ضالين ومهتدين {بِهِ} الجار والمجرور متعلقان بيضل {كَثِيرًا} مفعول به {وَيَهْدِي} عطف على يضل {بِهِ} الجار والمجرور متعلقان بيهدي {كَثِيرًا} مفعول به {وَما يُضِلُّ} الواو حالية أو استئنافية وما نافية {بِهِ} الجار والمجرور متعلقان بيضل {إِلَّا} أداة حصر {الْفاسِقِينَ} مفعول به والجملة لا محل لها من الاعراب أو حالية {الَّذِينَ} اسم موصول في محل جر لأنه صفة للفاسقين {يَنْقُضُونَ} فعل مضارع مرفوع والجملة لا محل لها لأنها صلة الموصول {عَهْدَ اللَّهِ} مفعول به ومضاف إليه {مِنْ بَعْدِ} الجار والمجرور متعلقان بينقضون {مِيثاقِهِ}.
مضاف إليه والضمير يعود على اسم اللّه أو على العهد وسيأتي تفسير طريف في الميثاق في باب الفوائد {وَيَقْطَعُونَ} عطف على قوله ينقضون {ما} اسم موصول في محل نصب مفعول به {أَمَرَ} فعل ماض مبني على الفتح {اللَّهِ} فاعل أمر {بِهِ} جار ومجرور متعلقان بأمر {أَنْ يُوصَلَ} أن حرف مصدري ونصب ويوصل فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو وأن وما في حيزها في تأويل مصدر بدل من الضمير في به والمعنى ويقطعون ما أمر اللّه بوصله، أو مفعول لأجله والتقدير كراهية أن يوصل أو لئلا يوصل {وَيُفْسِدُونَ} عطف على يقطعون {فِي الْأَرْضِ} الجار والمجرور متعلقان بيفسدون {أُولئِكَ} اسم اشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ {هُمُ} ضمير فصل أو عماد لا محل له {الْخاسِرُونَ} خبر أولئك ولك أن تعرب هم مبتدأ والخاسرون خبره والجملة الاسمية في محل رفع خبر أولئك.

.البلاغة:

1- التمثيل: عني العرب بالتمثيل عناية كبيرة وذكر علماء البلاغة له مظهرين:
آ- أحدهما أن يظهر المعنى ابتداء في صورة التمثيل.
ب- وثانيهما: ما يجيء في أعقاب المعاني لإيضاحها وتقريرها في النفوس وهو على الحالين يكسو المعاني بهجة وجمالا ويرفع من أقدارها، ويبعث فيها الحركة والحياة، ويجسدها للقارئ حتى ليكاد يتقرّاها بلمس، وما زال الناس يضربون الأمثال بالبهائم والطيور والحشرات. ومن أروع ما صنف العرب في ذلك كتاب كليلة ودمنة الذي قيل إنه ترجمه عن الفارسية عبد اللّه بن المقفع وفي الفرنسية قصص لافونتين.
وعن الحسن وقتادة: لما ذكر اللّه الذباب والعنكبوت في كتابه، وضرب للمشركين بهما المثل ضحكت اليهود، وقالت: ما يشبه هذا كلام اللّه فأنزل اللّه سبحانه الآية، ومما يرجّح أنها أنزلت فيهم إنها اشتملت على نقض العهد وهو من أبرز سماتهم. وأدبنا العربي حافل بضرب الأمثال بمختلف الهوامّ وسائر الحشرات قال شاعرهم:
وإنّي لألقى من ذوي الضغن منهم ** وما أصبحت تشكو من الوجد ساهره

كما لقيت ذات الصفا من خليلها ** وما انفكت الأمثال في الناس سائره

وذات الصفاحية تقول الأسطورة العربية: إنها كانت قتلت قرابة حليفها فتواثقا باللّه على أنها تدي ذلك القتيل إلى آخر تلك الأسطورة الممتعة.
2- الاستعارة المكنية وذلك في قوله: {ينقضون عهد اللّه} فقد شبه العهد بالحبل المبرم ثم حذف المشبه به ورمز إليه بشيء من خصائصه أو لوازمه وهو النقض لأنه إحدى حالتي الحبل وهما النقض والإبرام.
3- المقابلة: وهي تعدّد الطباق في الكلام، فقد طابق بين يضل ويهدي وبين يقطعون ويوصل.